للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس كلّ تراض معترفا به شرعا، وإنما يجب أن يكون التراضي ضمن حدود الشرع، فالرّبا المأخوذ عن بيع فيه تفاضل أو بسبب قرض جرّ نفعا، والقمار والرّهان وإن تراضى عليه الطّرفان حرام لا يحلّ شرعا.

وقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} معناه في الظاهر النهي عن قتل المؤمن نفسه في حال غضب أو ضجر (وهو الانتحار)،

كقوله صلّى الله عليه وسلّم-فيما رواه الشيخان عن أبي هريرة-: «من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا».

ولكن اتفق جمهور المفسرين على أن معناه: لا يقتل بعضكم بعضا، وإنما قال: {أَنْفُسَكُمْ} مبالغة في الزّجر، كما قال في الأموال: {أَمْوالَكُمْ}.

جاء في الحديث: «المؤمنون كالنفس الواحدة» (١). ولا مانع أن تكون الآية نهيا عن قتل الإنسان نفسه وعن قتل الآخرين، وعن كلّ ما يؤدي إلى الموت كتناول المخدرات والسموم الضارة والمجازفة في المهالك.

والسبب في إيراد هذه الآية هنا في مجال الكلام عن المعاملات المالية: أنه لما كان المال شقيق الروح من حيث إنه سبب قوامها وبه صلاحها، حسن الجمع بين التوصية بحفظ‍ المال والتوصية بحفظ‍ النفس.

وقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً} تعليل للنهي السابق، أي إنما ينهاكم عن أكل الحرام وإهلاك الأنفس؛ لأنه لم يزل بكم رحيما.

ومما يدلّ على حرمة المجازفة بالنفس في المهالك قوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة ١٩٥/ ٢]، و

ما أخرجه أحمد وأبو داود عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال:


(١) نص الحديث: «المؤمنون كرجل واحد، إن اشتكى رأسه اشتكى كله، وإن اشتكى عينه اشتكى كله» رواه أحمد ومسلم عن النعمان بن بشير.

<<  <  ج: ص:  >  >>