للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن الاغتسال في اللغة هو الافتعال، ومن لم يمرّ يديه فلم يفعل غير صب الماء لا يسميه أهل اللسان العربي غاسلا، بل يسمونه صابّا للماء ومنغمسا فيه، ويؤكده الأثر

عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشرة» (١) وإنقاؤه: لا يكون إلا بتتبعه. قال ابن العربي: «حتى تغتسلوا» اقتضى هذا عموم إمرار الماء على البدن كله باتفاق، وهذا لا يتأتى إلا بالدلك.

وقال الجمهور: يجزئ الجنب صبّ الماء والانغماس فيه إذا أسبغ وعمّ، وإن لم يتدلك، على مقتضى حديث ميمونة وعائشة في غسل النبي صلّى الله عليه وسلّم، رواهما الأئمة،

وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يفيض الماء على جسده.

وهل يخلل الجنب لحيته؟

روايتان عن مالك: رواية ابن القاسم عنه:

ليس عليه ذلك،

وقال ابن عبد الحكم: ذلك هو أحب إلينا؛ لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يخلل شعره في غسل الجنابة.

وأوجب الحنفية والحنابلة المضمضة والاستنشاق في الغسل، لقوله تعالى:

{حَتَّى تَغْتَسِلُوا}؛ ولأنهما من جملة الوجه، وحكمهما حكم ظاهر الوجه كالخد والجبين، فمن تركهما وصلّى، أعاد كمن ترك لمعة (٢)، ومن تركهما في وضوئه فلا إعادة عليه. وأضاف الحنابلة: هما فرض أيضا في الوضوء؛ لقوله تعالى:

{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}

ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يترك المضمضة والاستنشاق في وضوئه ولا في غسله من الجنابة.

وقال مالك والشافعي: ليستا بفرض لا في الجنابة ولا في الوضوء؛ لأنهما باطنان كداخل الجسد؛

لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم فعل المضمضة ولم يأمر بها، وأفعاله مندوب إليها ليست بواجبة إلا بدليل.


(١) حديث ضعيف.
(٢) اللمعة: الموضع لا يصيبه الماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>