للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: هذه من عند الله ومن فضله وإحسانه، لا دخل لأحد فيها، وإذا أصابتهم سيئة من هزيمة أو قحط‍ وجدب ونقص في الثمار والزروع أو موت الأولاد أو النتاج أو غير ذلك، قالوا: هذه من قبلك يا محمد، وبسبب اتّباعنا لك واقتدائنا بدينك، كما قال الله تعالى عن قوم فرعون: {فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا: لَنا هذِهِ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ، أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ} [الأعراف ١٣١/ ٧]، وكما قال تعالى: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ} الآية [الحج ١١/ ٢٢].

وهكذا قال اليهود والمنافقون الذين دخلوا في الإسلام ظاهرا، وهم كارهون له في حقيقة الأمر، حتى إنه إذا أصابهم شرّ أسندوه إلى اتّباعهم للنّبي صلّى الله عليه وسلّم، وتشاءموا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وقالوا: «هذه من عندك» أي أنه بتركنا ديننا واتّباعنا محمدا أصابنا هذا البلاء.

فردّ الله عليهم بأن هذا زعم باطل منهم، وكلّ من عند الله، أي الجميع بقضاء الله وقدره، وهو نافذ في البرّ والفاجر، والمؤمن والكافر، بحسب سنّة الله في ربط‍ المسببات بالأسباب.

فماذا أصاب هؤلاء القوم في عقولهم، وما لهم لا يفهمون حقيقة ما يلقى إليهم من حديث وما يلقونه من كلام؟ وما الذي دهاهم في عقولهم حتى وصلوا إلى هذا الفهم السقيم؟ فقد ربطت الأسباب بمسبباتها، وإن كان الله خالقا لكلّ شيء.

ثم خاطب الله تعالى رسوله صلّى الله عليه وسلّم، والمراد بالخطاب جنس الإنسان ليحصل على الجواب: ما أصابك من حسنة فمن الله، أي من فضل الله ورحمته ولطفه وتوفيقه حتى تسلك سبيل النجاة والخير؛ وما أصابك من سيئة فمن نفسك، أي من قبلك ومن عملك أنت؛ لأنك لم تسلك سبيل العقل والحكمة والاسترشاد بقواعد الهداية الإلهية وبمعطيات العلم والتجربة، حتى قالوا: إن المرض بسببك،

<<  <  ج: ص:  >  >>