إليه، وثق به في جميع أمورك، فإن الله كافيك شرهم، وكفى به وليا وناصرا ومعينا لمن توكل عليه وأناب إليه.
ثم يأمرهم الله تعالى بتدبر القرآن وتفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة، فهو الكفيل بتصحيح خطتهم ومنهجهم، ويخبرهم أنه لا اختلاف فيه ولا اضطراب ولا تعارض؛ لأنه تنزيل من حكيم حميد، فهو حق من حق، ولهذا قال تعالى:
{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها}[محمد ٢٤/ ٤٧] ثم قال: {وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ}[النساء ٨٢/ ٤] أي لو كان مفتعلا مختلقا، كما يقول جهلة المشركين والمنافقين في بواطنهم، لوجدوا فيه اختلافا كثيرا، أي اضطرابا وتضادا كثيرا، وهذا سالم من الاختلاف، فهو من عند الله.
ومظاهر الاختلاف المفترضة إما في نظمه وإما في معانيه.
أما في نظمه وبلاغته: فقد يكون بعضه بالغا حد الإعجاز، وبعضه قاصرا عنه.
وأما في معانيه: فقد يكون بعضه صحيح المعنى وبعضه فاسدا سقيما. وقد يخبر عن الغيب وقصص السابقين بما يوافق الواقع وبما يخالفه، وقد يصيب في تصوير حقائق الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للأمم، وقد يجانب الصواب. وقد يأتي بحقائق العقيدة وأسس الأحكام التشريعية، وأحكم القواعد العامة، وقد تكون مفندة.
أما ترتيبه فبالرغم من نزوله منجما مفرقا بحسب الوقائع والمناسبات على مدى ثلاث وعشرين سنة فهو في غاية الإبداع والإحكام، إذ كان النبي صلّى الله عليه وسلّم عند نزول آية أو آيات أو سورة يأمر بما يوحي إليه بأن توضع كل آية في محلها من سورة كذا، وهو يحفظه حفظا ثابتا لا ينمحي من ذاكرته:{سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى}[الأعلى ٦/ ٨٧].