يقاتلوكم، ولا يهون عليهم أيضا أن يقاتلوا قومهم معكم، بل هم لا لكم ولا عليكم، وهم بتعبير العصر: المحايدون، فهم لا يقاتلون المسلمين بمقتضى العهد، ولا يقاتلون قومهم، حفاظا على أصل الرابطة العرقية أو الجنسية معهم، فهم قومهم، وهم بذلك معذورون.
وكان من رحمة الله ولطفه بكم أن سالموكم وكفّ بأس هذين الفريقين عنكم، ولو شاء الله لسلطهم عليكم بأن يلهمهم القتال فيقاتلوكم.
فإن اعتزلكم هؤلاء وأمثالهم فلم يقاتلوكم، وألقوا إليكم المسالمة، فليس لكم أن تقاتلوهم ما دامت حالهم كذلك. وهؤلاء كالجماعة الذين خرجوا يوم بدر من بني هاشم مع المشركين، فحضروا القتال، وهم كارهون، كالعباس ونحوه، ولهذا
نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم يومئذ عن قتل العباس وأمر بأسره. قال الزمخشري: فقرر أن كفهم عن القتال أحد سببي استحقاقهم لنفي التعرض عنهم وترك الإيقاع بهم.
ثم بيّن الله تعالى حكم جماعة أخرى موافقة في الظاهر للفئة السابقة، ولكن نية هؤلاء غير نية أولئك، فإن هؤلاء قوم منافقون يظهرون للنبي صلّى الله عليه وسلّم ولأصحابه الإسلام، ليأمنوا بذلك عندهم على دمائهم وأموالهم وذراريهم (النساء والصبيان) ويصانعون الكفار في الباطن، فيعبدون معهم ما يعبدون، ليكونوا في أمان من المسلمين، وهم في الباطن مع الكفار (١)، كما قال تعالى:{وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا: إِنّا مَعَكُمْ}[البقرة ١٤/ ٢] وقال هاهنا: {كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها} أي كلما دعاهم قومهم إلى قتال المسلمين، أركسوا فيها، أي قلبوا فيها أقبح قلب وأشنعه وانهمكوا فيها، وكانوا شرا فيها من كل عدو، كما قال