واختلفوا في الكفارة إذا خرج ميتا، فقال مالك: فيه الغرّة والكفارة، وقال أبو حنيفة والشافعي: فيه الغرّة ولا كفارة. واختلفوا في ميراث الغرّة عن الجنين؛ فقال مالك والشافعي: الغرّة في الجنين موروثة عن الجنين على كتاب الله تعالى؛ لأنها ديّة.
وقال الحنفية: الغرّة للأم وحدها؛ لأنها جناية جني عليها بقطع عضو من أعضائها وليست بدية.
وذهب أبو بكر الأصمّ وجمهور الخوارج إلى أن الدّية على القاتل، لا على العاقلة؛ لأن قوله تعالى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ}[النساء ٩٢/ ٤]، يقتضي أن من يجب عليه هو القاتل، وكذلك في الدّية.
ونظرا لاختلاف النظام الاجتماعي عما كان عليه في زمن العرب، وانهيار روابط القبيلة وفقد العصبية القبلية، واعتماد كل امرئ على نفسه دون قبيلته، كما في الوقت الحاضر، يكون الأوفق الأخذ برأي الأصم والخوارج، وهذا ما نصّ عليه متأخرو الحنفية كما أبان ابن عابدين.
وقوله تعالى:{إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا} معناه: أن الدّية تجب لأهل المقتول إلا أن يعفوا عنها ويتنازلوا عنها فلا تجب؛ لأنها إنما وجبت جبرا لخاطرهم وتطييبا لنفوسهم، حتى لا تقع عداوة ولا بغضاء بينهم وبين القاتل، وتعويضا عما فاتهم من المنفعة بقتله، فإذا عفوا فقد طابت نفوسهم، وسمّى الله هذا العفو تصدقا ترغيبا فيه.
فإن كان المقتول من الأعداء أهل الحرب وهو مؤمن كالحارث بن يزيد من قريش أعداء النّبي صلّى الله عليه وسلّم، والمؤمنون في حرب معهم، ولم يعلم المسلمون إيمانه؛ لأنه لم يهاجر، وقد قتله عياش حين هاجر وهو لم يعلم بذلك، كما تقدم، ومثله