للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشهور في سبب نزول هذه الآية

ما جاء في صحيح مسلم عن أسامة قال:

بعثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سريّة، فصبّحنا الحرقات (١) من جهينة، فأدركت رجلا فقال: لا إله إلا الله، فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنّبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقال: لا إله إلا الله، وقتلته؟» قال: قلت:

يا رسول الله، إنما قالها خوفا من السلاح، قال: «أفلا شققت عن قلبه، حتى تعلم أقالها أم لا؟!». (٢)

وروي عن أسامة أنه قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استغفر لي بعد ثلاث مرات، وقال: «أعتق رقبة» ولم يحكم بقصاص ولا دية.

أما الفقهاء فقالوا: إذا قتله في هذه الحالة قتل به، وإنما لم يقتل أسامة؛ لأنه كان في صدر الإسلام، وتأوّل أنه قالها متعوّذا وخوفا من السلاح، وإن العاصم قولها مطمئنا، فأخبر النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنه عاصم كيفما قالها،

فقال عليه الصّلاة والسّلام في الحديث المتواتر: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا:

لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها»، ولذلك

قال لأسامة: «أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟!» أي تنظر أصادق هو في قوله أم كاذب، وذلك لا يمكن، فلم يبق إلا أن يبين عنه لسانه. والمراد من

الحديث: «أمرت أن أقاتل الناس» هم مشركو العرب دون اليهود والنصارى فإنهم يقولون: لا إله إلا الله، فلا بدّ فيهم من إعلان الاعتراف بنبوّة النّبي صلّى الله عليه وسلّم.

وفي هذا من الفقه حكم عظيم: وهو أن الأحكام تناط‍ بالمظانّ والظواهر، لا على القطع واطّلاع السرائر (٣).


(١) الحرقات: موضع ببلاد جهينة.
(٢) أحكام القرآن للجصاص: ٢٤٨/ ١
(٣) تفسير القرطبي: ٣٣٨، ٣٢٤/ ٥ - ٣٣٩

<<  <  ج: ص:  >  >>