ينصرونه في الدّنيا ونيل الثواب في الآخرة، وبألسنتكم بالحمد والتكبير والتهليل والدّعاء بالنّصر، فالذكر يكون بالقلب واللسان، أما الذكر بالقلب: فهو التّفكر في عظمة الله وجلاله وقدرته وفيما في خلقه وصنعه من الدّلائل عليه وعلى حكمه وجميل صنعه. وأما الذكر باللسان فهو بالتعظيم والتّسبيح والتّقديس.
وهذا الذكر المأمور به في رأي الجمهور إنما هو إثر صلاة الخوف، والذكر يكون مع التعظيم والخشوع، والحكمة فيه ربط المؤمنين المجاهدين بالله تعالى في كل الأحوال حتى يعتمدوا في جهادهم على الله تعالى، ويكون طلب النصر والظفر منه، فإنه الذي بيده النصر، وهو القادر على كل شيء، كما قال تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[الأنفال ٤٥/ ٨].
والذكر كما طلب الله تعالى يكون دائما وبكثرة؛ لأنه أداة الفلاح؛ إذ هو وسيلة الخشية، ومتى وجدت الخشية وجدت الطاعة واجتنبت المعصية، وذلك هو الفوز والسعادة. روى ابن جرير عن ابن عباس في قوله تعالى:{فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً}: أنه كان يقول: لم يفرض الله على عباده فريضة إلا جعل لها جزاء، ثم عذرهم إن عنّ ما يمنعهم من أدائها من العذر، إلا الذكر، فإن الله لم يجعل له حدّا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله، فقال:
فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم بالليل والنهار، في البّر والبحر، والسفر والحضر، والغنى والفقر، والصّحة والسّر والعلانية، وعلى كلّ حال.
وأما فرضية الصلاة بنحو دائم: فإن الله تعالى أبان أنه إذا أقمتم، وهو مقابل لقوله:{وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} وزال عنكم الخوف الذي ترتب عليه قصر الصلاة وقصر صفتها وهيئتها، فأدّوا الصلاة على وجهها الأكمل تامّة الأركان والعدد والهيئة، إن الصلاة مفروضة عليكم في وقت معين، أي إنها مفروضة