الله بها على أصولهم، دليل واضح على وحدة الأمة، وتكافل أفرادها، وأن السعادة والشقاوة تعم الجميع من أصول وفروع، وإن لم يسأل الفرع عما فعل أصله، لكنه يتضرر بسوء أصله، وينتفع باستقامة أصله، كما قال تعالى في تعميم العذاب:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}[الأنفال ٢٥/ ٨]، وقال سبحانه في كنز الغلامين اليتيمين تحت الجدار:{وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً}[الكهف ٨٢/ ١٨]، فكان صلاح الأب أو الجدّ سببا في صلاح الابن أو الحفيد نفسه، وفي حفظ المال لذريته، أي أن الصلاح يفيد في النفس والمال.
وفي قوله تعالى:{وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[البقرة ٥٧/ ٢]، إيماء إلى أن كل ما يأمر به الله من عبادة فإنما نفعه لهم، وما ينهاهم عنه، فإنما ذلك لدفع ضرّ يقع بهم، وهو بمعنى قوله تعالى:{يا أَيُّهَا النّاسُ، إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ}[يونس ٢٣/ ١٠]، وقوله:{لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة ٢٨٦/ ٢].
أما تفجير الماء من الحجر فكان معجزة لموسى عليه السّلام، والمعجزات كلها من صنع الله، وهي سنة جديدة غير ما نشاهد من العادات كل يوم، أما المخترعات العلمية فهي مبنية على السّنن العلمية باستخدام طاقات الكون من الأثير والهواء والنفط والكهرباء وغير ذلك. وكان الله قادرا على تفجير الماء وفلق البحر بلا ضرب عصا، ولكنه جلّت قدرته أراد أن يعلم عباده ربط المسببات بأسبابها، ليسعوا في الحصول على تلك الأسباب بقدر الطاقة. ومثل ذلك أيضا معجزات عيسى عليه السّلام، كان الله قديرا على أن يخلق الطير من الطين ومن غير الطين، ولم يكن هناك داع لنفخ الملك في مريم، لأن طريق القدرة {كُنْ فَيَكُونُ}[آل عمران ٤٧/ ٣]، ولكن شاء الله أن تظهر قدرته بطريق التدرّج، ليتبين الفرق بين الطين والطير بالحياة، وكان خلق عيسى عليه السّلام من نطفة الأم فقط، ونفخ الروح كان بإذن الله وقدرته:{كُنْ فَيَكُونُ}[آل عمران ٤٧/ ٣] وكل ذلك تقريب لفهم المعجزة.