وذكر الفقهاء بعض الأمور المتعلقة بالشهادة للوالدين أو على الوالدين فقالوا: لا خلاف في أن شهادة الولد على الوالدين (الأب والأم) ماضية ومقبولة، ولا يمنع ذلك من برّهما، بل من برّهما أن يشهد عليهما، ويخلصهما من الباطل، وهو معنى قوله تعالى:{قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً}[التحريم ٦/ ٦٦].
وأما الشهادة للوالدين أو شهادتهما للأولاد ففيها خلاف: قال الزهري: كان من مضى من السلف الصالح يجيزون شهادة الوالدين والأخ، ويتأولون في ذلك قول الله تعالى:{كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ، شُهَداءَ لِلّهِ} فلم يكن أحد يتّهم في ذلك من السلف الصالح رضوان الله عليهم. ثم ظهرت من الناس أمور حملت الولاة على اتهامهم، فتركت شهادة من يتّهم، وصار ذلك لا يجوز في الولد والوالد والأخ والزوج والزوجة، وهو مذهب الحسن والنخعي والشعبي وشريح ومالك والثوري والشافعي وابن حنبل وأبي حنيفة وأصحابه.
وقد أجاز قوم شهادة بعضهم لبعض إذا كانوا عدولا، وهو مروي عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما، وبه قال إسحاق والمزني. وأجاز الشافعي شهادة الزوجين بعضهما لبعض؛ لأنهما أجنبيان، وإنما بينهما عقد الزوجية، وهو معرّض للزوال، والأصل قبول الشهادة إلا حيث خص، فبقي ما عدا المخصوص على الأصل. وأجيب بأن الزوجية توجب الحنان والمواصلة والألفة والمحبة، وتتواصل منافع الأملاك بين الزوجين، فالتهمة قوية ظاهرة.
وروى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن «رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ردّ شهادة الخائن والخائنة، وذي الغمر على أخيه، ورد شهادة القانع لأهل البيت،
(١) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم عن الشريد بن سويد.