للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالتوبة، وقد تاب آدم عليه السلام وأنهى المشكلة وتقبل الله توبته: {فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة ٣٧/ ٢] ولا يقبل عاقل قضية الفداء وإباحة ارتكاب المعاصي لأتباع المسيح؛ لأن المسيح صلب تكفيرا لخطاياهم.

ثم حسم تعالى القول في شأن المسيح، فأبان أن كل أحد من أهل الكتاب عند ما يدركه الموت ينكشف له الحق في أمر عيسى، فيؤمن به إيمانا صحيحا حقا لا انحراف فيه، فيعلم اليهودي أنه رسول صادق غير كذاب، ويعلم النصراني أنه بشر ليس بإله ولا ابنا للإله.

وقوله تعالى: {لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} جملة قسمية واقعة صفة لموصوف محذوف تقديره: وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به، ونحوه: {وَما مِنّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات ١٦٤/ ٣٧] {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها}. [مريم ٧١/ ١٩] والمعنى: وما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن قبل موته بعيسى وبأنه عبد الله ورسوله، يعني إذا عاين الموت قبل أن تزهق روحه، حين لا ينفعه إيمانه؛ لانقطاع وقت التكليف (١)، ولأن كل أحد ينجلي له ما كان جاهلا به، فيؤمن به، ولكن لا يكون ذلك إيمانا نافعا له إذا كان قد شاهد الملك (٢).

ويوم القيامة يشهد عيسى على اليهود بأنهم كذبوه، وعلى النصارى بأنهم دعوه «ابن الله» فتظهر حقيقة حاله، كما قال تعالى عنه: {ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ} [المائدة ١١٧/ ٥] أي يشهد للمؤمنين منهم بالإيمان وعلى الكافر بالكفر؛ لأن كل نبي شهيد على أمته كما قال تعالى: {فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء ٤١/ ٤]


(١) الكشاف: ٤٣٧/ ١
(٢) تفسير ابن كثير: ٥٧٧/ ١

<<  <  ج: ص:  >  >>