{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ..}. اليوم أكملت لكم دينكم وهو الإسلام، فأبنت لكم حلاله وحرامه وجميع الأحكام التي تحتاجون إليها، فصار كل شيء واضحا لا لبس فيه ولا غموض، كاملا غير منقوص.
{وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} أي منّتي، فلم يحجّ معكم مشرك أبدا، وفتحت مكة، وتحقق الوعد، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وتحقق لكم النصر.
{وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} مرضيا هو محل احتكام ومحاكمة الخلائق عليه يوم القيامة: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ}[آل عمران ٨٥/ ٣].
هذه بشارات ثلاث تحققت بهذه الآية، مكث بعدها النّبي صلّى الله عليه وسلّم واحدا وثمانين ليلة ثم قبض وتوفّاه الله.
قرأ ابن عباس هذه الآية:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ..}. فقال يهودي: لو نزلت هذه الآية علينا، لاتّخذنا يومها عيدا، فقال ابن عباس: فإنها نزلت في يوم عيدين اثنين: يوم عيد ويوم جمعة. وروى مسلم والأئمة عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا أنزلت معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدا؛ قال: وأي آية؟ قال:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي أنزلت فيه، والمكان الذي أنزلت فيه، نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعرفة في يوم جمعة.
وليس المراد بإكمال الدّين أنه كان ناقصا قبل اليوم ثم أكمله، وإنما المراد أن الأحكام صارت غير قابلة للنسخ، وأصبحت مؤبدة صالحة لكل زمان ومكان، والمراد بالإكمال: إتمامه في نفسه وفي ظهوره، أما إتمامه في نفسه فباشتماله على الفرائض والحلال والحرام، والتنصيص على أصول العقائد وأسس التشريع وقوانين الاجتهاد، مثل:{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}[الإخلاص ١/ ١١٢]، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ