ومن المعروف تاريخيا وباعتراف اليهود والنصارى أنفسهم: أن التوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام وكتبها وأمر بحفظها وكانت نسخة واحدة، قد فقدت باتفاق المؤرخين من اليهود والنصارى عند سبي البابليين لهم وإغارتهم عليهم، ولم يكن عندهم غيرها، ولم يحفظوها، بسبب إحراق البابليين هيكلهم وتخريب عاصمتهم وسبي أحيائهم.
أما الأسفار الخمسة المنسوبة إلى موسى التي فيها أخبار عن موته وحياته، وأنه لم يقم بعده أحد مثله، فإنها كتبت بعده بزمن طويل، وبعد بضعة قرون، كتبها عزرا الكاهن بما بقي عند شيوخهم الذين بقوا بعد الأسر والقتل، وبعد أن أذن لبني إسرائيل بالعودة إلى بلادهم. وكذلك الإنجيل كتب باعتراف النصارى بعد عيسى بحوالي قرن فأكثر.
{وَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ} أي وتركوا العمل به، رغبة عنه، ونسوا عهد الله الذي أخذه الأنبياء عليهم من الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم قال ابن عباس: نسوا الكتاب أي طائفة من أصل الكتاب، وتركوا نصيبا مما أمروا به في كتابهم وهو الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وقال الحسن البصري: تركوا عرا دينهم ووظائف الله تعالى التي لا يقبل العمل إلا بها، وقال غيره: تركوا العمل، فصاروا إلى حال رديئة، فلا قلوب سليمة، ولا فطر مستقيمة، ولا أعمال قويمة.
وهذا كله لتظل معجزة القرآن الدالة على صدق محمد صلّى الله عليه وسلّم باقية دائمة، فقد أخبر عن ذلك بعد عدة قرون من موت موسى عليه السلام.
{وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ} يعني مكرهم وغدرهم وخيانتهم لك