الأولى-أنه يبين لهم كثيرا مما يخفون، قال ابن عباس:«أخفوا صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وأخفوا أمر الرجم، وعفا عن كثير مما أخفوه، فلم يفضحهم ببيانه». ثم إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم بيّن ذلك لهم، وهذا معجز؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم يقرأ كتابا ولم يتعلم علما من أحد، فلما أخبرهم بأسرار ما في كتابهم، كان ذلك إخبارا عن الغيب، فيكون معجزا.
الصفة الثانية-ويعفو عن كثير، أي لا يظهر كثيرا مما تكتمونه أنتم، وإنما لم.
يظهره؛ لأنه لا حاجة إلى إظهاره في الدين. وهذا يدعوهم إلى ترك الإخفاء لئلا يفتضحوا، ولقد كان بيان القرآن لما كتموه سببا في إسلام كثير من أحبارهم.
فالصفة الأولى: أنه يبين ما بدلوه وحرفوه وأولوه وافتروا على الله فيه، والصفة الثانية: أنه يسكت عن كثير مما غيروه، ولا فائدة في بيانه. روى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنه قال: من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب، قوله:{يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ} فكان الرجم مما أخفوه. ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه أي الشيخان: البخاري ومسلم.
ثم أخبر تعالى عن القرآن العظيم الذي أنزله على نبيه الكريم بأنه كتاب واضح، وأن محمدا صلّى الله عليه وسلّم نور، أو الإسلام نور، فالمراد بالنور محمد، وبالكتاب القرآن، وقيل: إن المراد بالنور الإسلام، وبالكتاب القرآن. والقرآن بيّن في نفسه، مبيّن لما يحتاج إليه الناس لهدايتهم.
ثم قال تعالى فيما معناه: يهدي بالكتاب من أراد اتباع الدين الذي يرضي الله تعالى، يهديهم طرق النجاة والسلامة ومناهج الاستقامة، وينجيهم من المهالك بإذنه، أي بتوفيقه، فيخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ويرشدهم إلى أوضح الطرق، وهو الدين الحق؛ لأن الحق واحد لذاته، وطريقه