وهذا في معنى الدعاء عليهم. ولذلك وصل به قوله:{فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ} على وجه التسبيب.
ويصح أن يكون المعنى: فباعد بيننا وبينهم، وخلصنا من صحبتهم كقوله تعالى:{وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ}[التحريم ١١/ ٦٦].
قال الله تعالى لما دعا عليهم موسى عليه السلام حين نكلوا عن الجهاد:
{فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ} أي إن الأرض المقدسة محرم عليهم دخولها قدر مدة أربعين سنة، فتاهوا في صحراء مقفرة أي ساروا فيها متحيرين لا يهتدون طريقا، والتيه: المفازة أو البيداء أو البرية التي يتاه فيها، لا يدرون أين مصيرهم. روي أنهم لبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ (وقال ابن عباس: وهي تسعة فراسخ) يسيرون في كل يوم جادّين، حتى إذا سئموا وأمسوا، إذا هم في الموضع الذي ابتدؤوا منه، يسيرون ليلا، وقد يسيرون نهارا، وكان يطلع لهم عمود من نور بالليل يضيء لهم، ويظللهم الغمام من حر الشمس نهارا، وينزل عليهم المن والسلوى، حتى انقرضوا كلهم إلا من لم يبلغ العشرين.
قيل: وكانوا ستمائة ألف، ومات هارون في التيه ومات موسى بعده فيه بسنة، وكان رحمة لهما وعذابا لأولئك، وسأل موسى ربه أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر فأدناه.
ونبئ يوشع بعد سن الأربعين، وأمر بقتال الجبارين، فسار بمن بقي، وقاتلهم، وكان يوم الجمعة، ووقفت له الشمس ساعة حتى فرغ من قتالهم.
روى أحمد في مسنده حديثا:«إن الشمس لم تحبس على بشر إلا ليوشع، ليالي سار إلى بيت المقدس».
وتتمة كلام الله تسلية لموسى عنهم:{فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ} أي فلا تحزن على القوم المتمردين فيما حكمت عليهم به، فإنهم مستحقون لذلك.