ثم تابع هابيل المقتول عظته البالغة المؤثرة المذكرة بعذاب الآخرة، لعلها تمنع أخاه من قتله:{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} أي إني أريد بالابتعاد عن مقابلة الجريمة بمثلها أن تتحمل إثمي وإثمك، وتلتزم بإثم قتلك إياي، وإثمك الذي كان منك قبل قتلي، وهذا رأي أكثر العلماء.
وحينئذ تكون بما حملت من الإثمين من أهل النار في الآخرة، والنار جزاء كل ظالم،
قال صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه أحمد وأبو داود وابن حبان عن أبي موسى الأشعري:
«كن كخيري ابني آدم».
يتبين من هذا أنه نفّره وحذره من القتل بثلاث مواعظ: الخوف من الله، تحمل الإثمين: إثم القتل وإثم نفسه، كونه من أصحاب النار ومن الظالمين.
ثم أخبر تعالى أن هذه المواعظ كلها لم ينزجر بها، فحسّنت وسولت له نفسه وشجعته على قتل أخيه، فقتله، فأصبح من جملة الذين خسروا أنفسهم من الدنيا والآخرة، وأي خسارة أعظم من جريمة القتل هذه؟! ثم حار القاتل وضاقت به الدنيا ولم يدر كيف يفعل بجثة أخيه، فاستفاد من تجربة غيره وهو الغراب، مما دل على جهله وسذاجته وقلة معرفته.
فبعث الله غرابين أخوين، فاقتتلا، فقتل أحدهما صاحبه، فحفر له حفرة، ثم حثا عليه التراب، فلما رآه قال: وا فضيحتي، وهذا اعتراف على نفسه باستحقاق العذاب، أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب؟! أي هل بلغ عجزي وضعفي وقلة معرفتي أن كنت دون الغراب علما وتصرفا؟ فدفن أخاه، ووارى جثته، وأصبح نادما على ما فعل، وهذا شأن كل مخطئ، يرتكب المعصية، ثم يندم عليها.
إلا أنه لم تقبل توبته، بالرغم من المبدأ المعروف في
قوله صلّى الله عليه وسلّم:«الندم توبة»(١)؛ لأنه لم يندم ولم يتب من المعصية، وإنما كان ندمه على قتل أخيه؛