للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهب مالك والشافعي وغيرهما إلى أن الآية محكمة وثابتة في سائر الأحكام غير منسوخة، وأن الحاكم مخير، وهي مخصوصة في المعاهدين الذين لهم مع المسلمين عهد إلى مدة، فليس بواجب على الحاكم أن يحكم بينهم بل يتخير في ذلك. أما أهل الذمة فيجب على حاكم المسلمين أن يحكم بينهم إذا تحاكموا إليه، لكن في رأي مالك وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن لا يحد الذميون حد الزنى. ورأى الشافعي وأبو يوسف: أنهم يحدون إن أتوا راضين بحكمنا.

وذهب أبو حنيفة والنخعي وعمر بن عبد العزيز إلى أن التخيير المذكور في الآية منسوخ بقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ} وأن على الحاكم أن يحكم بين أهل الذمة. وهو رأي ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة. قال مجاهد:

لم ينسخ من المائدة إلا آيتان: قوله: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} نسختها: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ}؛ وقوله: {لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ} [المائدة ٢/ ٥] نسختها: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة ٥/ ٩].

قال الرازي: احتج جماعة من الحنفية بهذه الآية: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ} على أن حكم التوراة وشرائع من قبلنا لازم علينا، ما لم ينسخ، وهو ضعيف، ولو كان كذلك لكان حكم التوراة كحكم القرآن في وجوب طلب الحكم منه، لكن الشرع نهى عن النظر فيها، بل المراد هذا الأمر الخاص وهو الرجم؛ لأنهم طلبوا الرخصة بالتحكيم (١).


(١) تفسير الرازي: ٢٣٦/ ١١

<<  <  ج: ص:  >  >>