الأنبياء ولم ينسخ في شرعك، ولا تتبع أهواءهم أي آراءهم التي اصطلحوا عليها، وتركوا بسببها ما أنزل الله على رسله، ولا تنصرف ولا تمل ولا تعدل عن الحق الذي أمرك الله به إلى أهواء هؤلاء الجهلة الأشقياء، وما أحدثوا من تحريف وتبديل لحكم الرجم والقصاص في القتلى والبشارة بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وغيرها.
ثم استأنف الله تعالى الكلام، فقال:{لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً} أي لكل أمة من الأمم جعلنا شريعة أوجبنا عليهم إقامة أحكامها، ومنهاجا وطريقا واضحا فرضنا عليهم سلوكه، حسبما تقتضي أحوال المجتمعات وطبائع البشر واستعداداتهم وتطور الأزمان، وإن كانت تلك الشرائع متفقة في أصول الدين وهي توحيد الله وعبادته وحده، وفي أصول الأخلاق والفضائل.
قال الألوسي عن آية:{لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً}: استئناف جيء به لحمل أهل الكتاب من معاصريه صلّى الله عليه وسلّم على الانقياد لحكمه عليه الصلاة والسلام بما أنزل الله تعالى إليه من الحق، ببيان أنه هو الذي كلفوا العمل به دون غيره مما في كتابهم، وإنما الذي كلفوا العمل به: من مضى قبل النسخ. والخطاب-كما قال جماعة من المفسرين-للناس كافة، الموجودين والماضين بطريق التغليب.
فلكل أمة من الأمم الباقية والخالية وضعنا شرعة ومنهاجا خاصين بتلك الأمة، لا تكاد أمة تتخطى شرعتها؛ والأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى عليهما السلام، شرعتهم: ما في التوراة؛ والتي كانت من مبعث عيسى إلى مبعث أحمد عليهما السلام، شرعتهم: ما في الإنجيل؛ وجميع أمم أهل الأرض من مبعث محمد صلّى الله عليه وسلّم إلى يوم القيامة، شرعتهم الوحيدة المقبولة عند الله:
ما في القرآن، ليس إلا، فآمنوا به واعملوا بما فيه (١)؛ لأن محمدا خاتم النبيين، وهو رسول إلى الناس كافة، وشريعته أكمل الشرائع وأوفاها، وقرآنه هو الكتاب