للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روى ابن جرير الطبري عن قتادة قال: أنزل الله هذه الآية، وقد علم أنه سيرتد مرتدون من الناس، فلما قبض الله نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم ارتد عامة العرب عن الإسلام إلا ثلاثة مساجد: أهل المدينة، وأهل مكة، وأهل البحرين من عبد القيس.

قالوا: نصلي ولا نزكي، والله لا تغصب أموالنا، فكلّم أبو بكر في ذلك، فقيل له: إنهم لو قد فقهوا لهذا، أعطوها وزادوها. فقال: لا والله، لا أفرّق بين شيء جمع الله بينه، ولو منعوا عقالا مما فرض الله ورسوله، لقاتلناهم عليه، فبعث الله عصابة (جماعة) مع أبي بكر، فقاتل على ما قاتل عليه نبي الله صلّى الله عليه وسلّم، حتى سبى وقتل وحرق بالنيران أناسا ارتدوا عن الإسلام ومنعوا الزكاة، فقاتلهم حتى أقروا بالماعون (وهي الزكاة) صغرة (أذلاء مهينين) أقمياء (ذليلين ضعفاء).

فأتته وفود العرب فخيرهم بين خطّة مخزية أو حرب مجلية، فاختاروا الخطة المخزية، وكانت أهون عليهم، أن يقروا أن قتلاهم في النار، وأن قتلى المؤمنين في الجنة، وأن ما أصابوا من المسلمين من مال، ردّوه عليهم، وما أصاب المسلمون لهم من مال فهو لهم حلال (١).

والخلاصة: إن هذا من إعجاز القرآن والنبي صلّى الله عليه وسلّم؛ إذ أخبر عن ارتداد العرب، ولم يكن ذلك في عهده، وكان ذلك غيبا، ووقع ما أخبر به بعد مدة، وأهل الردة-كما بينت-كانوا بعد موته صلّى الله عليه وسلّم. قال ابن إسحاق: لما قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ارتدت العرب إلا ثلاثة مساجد: مسجد المدينة، ومسجد مكة، ومسجد جؤاثا (٢)، وكانوا في ردتهم على قسمين: قسم نبذ الشريعة كلها وخرج عنها، وقسم نبذ وجوب الزكاة واعترف بوجوب غيرها؛ قالوا: نصوم ونصلي ولا


(١) المرجع السابق: ١٨٣/ ٦
(٢) جؤاثا مهموز: اسم حصن بالبحرين، وفي الحديث: «أول موضع جمعت فيه الجمعة بعد المدينة بجؤاثا».

<<  <  ج: ص:  >  >>