فهذا عيسى الذي ظهرت المعجزات على يديه بإذن الله، لا يستطيع تجاوز ما أجرى الله على يديه من خوارق العادات، ولا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، وإذا أقررتم أن عيسى كان جنينا في بطن أمه، وكان في حال من الأحوال لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم ولا يضر، فكيف اتخذتموه إلها؟ ومن كان يدبر الكون قبل ولادته، ومن الذي يدبره بعد وفاته؟ فالحق يا أهل الكتاب أن تلتزموا الاعتدال، ولا تتبعوا الأهواء والعصبيات والتقليد الأعمى الموروث، ولا تنخدعوا بآراء شيوخ الفتنة والضلال وأصحاب المصالح المادية.
وإن تقصير علماء بني إسرائيل في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أدى بهم إلى إنزال اللعنة الإلهية بهم في التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، فهل هناك أشد عقابا من ذلك؟ وليحذر المسلمون من تقليد من استحق اللعنة والطرد من رحمة الله. قال ابن عطية: والإجماع منعقد على أن النهي عن المنكر فرض لمن أطاقه، وأمن الضرر على نفسه وعلى المسلمين؛ فإن خاف فينكر بقلبه، ويهجر ذا المنكر ولا يخالطه.
وقال العلماء: ليس من شرط الناهي أن يكون سليما عن معصية، بل ينهى العصاة بعضهم بعضا.
واقتضى قوله تعالى:{كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ} اشتراكهم في الفعل، وذمهم على ترك التناهي، ودلت الآية على النهي عن مجالسة المجرمين والأمر بتركهم وهجرانهم. وأكد ذلك بقوله تعالى في الإنكار على اليهود:{تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني المشركين الذين ليسوا على دينهم، فلبئس ما سولت لهم أنفسهم وزينت.