للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذا يظهر أن المراد بالتقوى والإيمان الأولين: تحصيل أصل التقوى وأصل الإيمان، والمراد بالآخرين منهما الثبات والدوام عليهما، والمقصود بالتقوى الثالثة: اتقاء ظلم العباد وإحسان الأعمال والإحسان إلى الناس بمواساتهم بما رزقهم الله من الطيبات. وتقييد رفع الجناح بالإيمان والتقوى لبيان الواقع، وهو الجواب عن سؤال بشأن مؤمنين خيف أن ينالهم شيء من الإثم.

يعني أن المؤمنين لا جناح عليهم فيما تناولوه من المطعومات والمشروبات المباحات إذا ما اتقوا المحارم، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا، وهذا ثناء عليهم، كما أثنى على من مات قبل الصلاة إلى الكعبة في قوله تعالى: {وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ، إِنَّ اللهَ بِالنّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ} [البقرة ١٤٣/ ٢].

وقد عرف مما تقدم أن هذه الآية عذر لمن مات وحجة على بقية الناس؛ لأنه لما نزل تحريم الخمر قالت الصحابة: يا رسول الله، فكيف بإخواننا الذين ماتوا، وهم يشربون الخمر ويأكلون مال الميسر؟ فنزلت.

وقد أراد عمر بعد هذه الآية إقامة الحد على قدامة بن مظعون الجمحي وهو ممن هاجر إلى الحبشة، حين شهد عليه الشهود بأنه شرب الخمر بعد التحريم بهذه الآية، روى الزهري أن الجارود سيد بني عبد القيس وأبا هريرة شهدا على قدامة بن مظعون أنه شرب الخمر، وأراد عمر أن يجلده، فقال قدامة: ليس لك ذلك؛ لأن الله يقول: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا} فقال عمر: إنك أخطأت التأويل يا قدامة، إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله. وأجاب ابن عباس: إن هؤلاء الآيات أنزلن عذرا لمن غبر وحجة على الناس؛ لأن الله تعالى يقول: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} الآية، ثم قرأ الآية الأخرى، فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات؛ فإن الله قد نهاه أن يشرب الخمر، فقال عمر: صدقت ماذا ترون، فرأى علي والصحابة حده، فجلد ثمانين جلدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>