بعض، والشهر الحرام كذلك يدفع الله بعضهم عن بعض بالأشهر الحرم والقلائد، فلو لقي الرجل قاتل أخيه أو ابن عمه، فلا يعرض له (١).
{وَالشَّهْرَ الْحَرامَ} معطوف على الكعبة، أي وجعل الله الشهر الحرام قياما للناس، أي فيه صلاح أمر الناس في الدنيا والآخرة، فيأمن الناس على أنفسهم وأموالهم ومعايشهم وتجاراتهم، وتهدأ النفوس، وتخمد نار الحروب، وينصرفون إلى العبادة والحج وصلة القربى، وتحصيل الأقوات كفاية العام.
{وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ} جعلهما الله أيضا قياما للناس؛ فيذبح الهدي المسوق إلى الحرم، والإبل المقلدة بلحاء الشجر حتى لا يتعرض لها بسوء، فتكون نسكا لمن قدّمها تقوّم له دينه، وتكفر ذنبه، وتطهر نفسه وماله، وتجعله آمنا على نفسه، وتفرّق لحومها على الفقراء، فتكون سببا لغناهم ودفع غائلة الجوع والفقر عنهم؛ لأن الله أوقع في قلوب الناس تعظيم البيت الحرام، فكل من قصده أصبح آمنا من جميع المخاوف.
وذلك الجعل المذكور والتدبير اللطيف بتشريع الحج وما فيه من مناسك ومنافع دليل على أن الله تعالى عالم بكل ما في السموات والأرض من أسرار وأوضاع حالية أو مستقبلية، وتشريع تلك التشريعات لحكم يعلمها الله، والله تعالى علاّم بكل شيء صغير أو كبير، سرّ أو علن، باطن أو ظاهر.
والحق أن موسم الحج لو استفيد منه لحقق-فضلا عن تطهير النفوس وتزكيتها وغسل الذنوب والتخلص منها-منافع كثيرة جدا من الناحية العامة، فهو دعامة للإسلام، وسبب لتقوية أواصر الصلات، وتنمية الشعور بنعمة الأخوة الإسلامية:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات ١٠/ ٤٩] وإذكاء روح الدين