للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أمثلة الأسئلة عما كانوا بحاجة إليه: أنه تعالى بيّن عدة المطلقة والمتوفى عنها زوجها والحامل، ولم يذكر عدة المرأة التي لا حيض لها ولا حامل، فسألوا عنها فنزل: {وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق ٤/ ٦٥] فالنهي إذن في شيء لم يكن بهم حاجة إلى السؤال فيه، فأما ما مسّت الحاجة إليه فلا. وبهذا يوفق بين أول الآية: {لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ.}. وبين الجملة التالية: {وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} فأول الآية نهي عن السؤال، والجملة التالية تبيح السؤال، والمعنى: وإن تسألوا عن غيرها فيما مسّت الحاجة إليه. فحذف المضاف، ولا يصحّ حمله على غير الحذف. قال الجرجاني: الكناية في {عَنْها} ترجع إلى أشياء أخر؛ كقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون ١٢/ ٢٣] يعني آدم، ثم قال: {ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً} [المؤمنون ١٣/ ٢٣] أي ابن آدم؛ لأن آدم لم يجعل نطفة في قرار مكين، لكن لما ذكر الإنسان وهو آدم، دل على إنسان مثله، وعرف ذلك بقرينة الحال. والمعنى:

وإن تسألوا عن أشياء مما أنزل القرآن من تحليل أو تحريم أو حكم، أو مسّت حاجتكم إلى التفسير، فإذا سألتم فحينئذ تبد لكم (١).

وقد عفا الله عن الأسئلة التي سلفت منهم قبل هذا النهي، فضلا من الله ورحمة، وإن كرهها النّبي صلّى الله عليه وسلّم فلا تعودوا لأمثالها.

وتغلب المقارنة والتذكير والعبرة في آي القرآن وسرد أحكامه كما فعل هنا بقوله: {قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ.}. أخبر تعالى أن قوما من قبلنا قد سألوا آيات مثلها، فلما أعطوها وفرضت عليهم كفروا بها، وقالوا: ليست من عند الله، وذلك كسؤال قوم صالح الناقة، وقوم موسى رؤية الله جهرة، وأصحاب عيسى المائدة. وهذا تحذير مما وقع فيه من سبق من الأمم.


(١) المرجع والمكان السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>