الموتى، ومنع أذى اليهود عنه، فلم يقتلوه ولم يصلبوه، ولكن شبّه لهم.
والنّعم الثلاث الباقية تستلزمها عادة النّبوة والرّسالة: وهي التّأييد والتّقوية بجبريل روح القدس عليه السّلام، والتّعليم الإلهي بالكتابة والفهم والوحي وإنزال الإنجيل، ومعرفة ما أنزل على من تقدّمه مثل موسى الكليم عليه السّلام، وإلهام الحواريين الإيمان بالله وبعيسى عليه السّلام.
وكلّ هذه المعجزات والآيات البيّنات تدلّ على صدق رسالة عيسى، وكلّها بمراد الله ومشيئته وقدرته.
ولم ينفرد عيسى بالمعجزات الدّالة على صدقه، فهذا هو الشأن المتّبع مع كلّ الأنبياء والرّسل؛ لأن البشر لا يصدّقون عادة بنبوّة النّبي إلا بأشياء خارقة للعادة، وهي المسمّاة بالمعجزات، ولكلّ عصر ما يناسبه من المعجزة، فقد كان عصر عيسى مزدهرا بالطّب والعلوم والمعارف، فأجرى الله على يديه ما يفوق الطّب البشري والمعرفة والثقافة البشرية. وكان زمان موسى فيه السّحر والشّعوذة فأيّده الله تعالى بما يفوق سحر السّحرة، باليد والعصا وفلق البحر وتفجير الماء من الحجر ينابيع هي اثنتا عشرة عينا بعدد الأسباط (قبائل بني إسرائيل). وزمان النّبي محمد صلّى الله عليه وسلّم اشتهر بالتّفوق البياني في الكلام شعرا ونثرا وخطابة، فأنزل الله عليه القرآن الكريم مشتملا على أرفع البيان وأسمى الفصاحة، وأبلغ البلاغة، فكان إعجاز القرآن البياني معجزة النّبي صلّى الله عليه وسلّم إلى أبد الدّهر.
والغرض من إيراد معجزات عيسى عليه السّلام هو كما بيّنت تنبيه النّصارى الذين كانوا في وقت نزول هذه الآية على قبح مقالتهم وركاكة مذهبهم واعتقادهم بتأليه بشر عادي مولود كسائر البشر، يأكل ويشرب ويقضي حاجته كغيره من الناس.