وقال بعضهم: في الآية محذوف على قراءة: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} وتقديره: هل تستطيع سؤال ربّك؟ فأجابهم عيسى: اتّقوا الله أن تطلبوا مثل هذا الطلب الذي يشبه ما طلبه الإسرائيليون من موسى عليه السّلام، إن كنتم مؤمنين أي إن كانت دعواكم للإيمان صحيحة.
قالوا معتذرين عن سؤالهم: نريد أن نأكل منها؛ فنحن بحاجة إلى الطّعام، وتزداد قلوبنا اطمئنانا ويقينا بقدرة الله وبصدق نبوّتك؛ لأن علم الحسّ والمشاهدة أقوى دلالة على المطلوب من العلم النظري القائم على التسليم بالبراهين، ونكون من الشاهدين على هذه الآية عند بني إسرائيل الذين لم يحضروها، أو نكون من الشاهدين لله بالوحدانية وبكمال القدرة، ولك بالنّبوة، فيكون ذلك سببا للإيمان أو ازدياد الإيمان.
وإنما سأل عيسى وأجيب، ليلزموا الحجّة بكمالها، ويرسل عليهم العذاب إذا خالفوا.
قال عيسى: يا ربّنا المالك أمرنا والمتولّي شؤوننا، أنزل علينا مائدة من السماء يراها هؤلاء، وتكون لنا عيدا أي يكون يوم نزولها عيدا، قيل: هو يوم الأحد، ومن ثم اتّخذه النّصارى عيدا.
لأوّلنا وآخرنا، أي لمن في زماننا من أهل ديننا ولمن يأتي بعدنا. وآية منك، أي علامة من لدنك تدلّ على كمال قدرتك وصدق نبوّتي.
وارزقنا منها ومن غيرها رزقا طيّبا نغذي به أجسامنا، وأنت خير الرّازقين، أي خير من أعطى ورزق؛ لأنك الغني الحميد، الذي ترزق من تشاء بغير حساب. ويلاحظ أن عيسى أخّر بدعائه طلب فائدة المائدة عن طلب الفائدة الدّينية والاجتماعية، بعكس ما طلب الحواريون؛ إذ قدّموا الأكل على غيره.