بنو إسرائيل أكثر الشعوب حظا في عدد الرسل الذين أرسلوا إليهم، ومع ذلك كانوا ينسون الإنذارات، ويحرفون الشرائع، ويتبعون أهواءهم، ويعصون رسلهم، إما بالتكذيب وإما بالقتل.
وهذه الآيات تذكير لهم بإعطاء موسى التوراة، وإتباعه بالرسل:{ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا}[المؤمنون ٤٤/ ٢٣] وهم يوشع وداود وسليمان وعزير وإلياس واليسع ويونس وزكريا ويحيى وعيسى عليهم السّلام، وكانوا كلهم يحكمون بشريعة موسى، كما قال تعالى:{إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ، يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا.}. الآية [المائدة ٤٤/ ٥] إلا أن عيسى جاء بمخالفة التوراة في بعض الأحكام، ولهذا أعطاه الله من البينات-وهي المعجزات كإحياء الموتى وخلقه من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيها، فتكون طيرا بإذن الله، وإبراء الأسقام، وإخباره بالغيوب، وتأييده بروح القدس وهو جبريل عليه السّلام- ما يدلهم على صدقه فيما جاءهم به، فاشتد تكذيب بني إسرائيل له، وحسدهم وعنادهم لمخالفة التوراة في بعض الأحكام، كما قال تعالى إخبارا عن عيسى:
وكانت النتيجة أنه كلما جاءهم رسول بما لا تميل إليه نفوسهم، وهي لا تميل إلى الخير دائما، كفروا به واستكبروا عليه تجبرا وبغيا، فمنهم من كذبوه كعيسى ومحمد عليهما السّلام، ومنهم من قتلوه كزكريا ويحيى عليهما السّلام، فلا غرابة بعدئذ إن لم يؤمنوا بدعوة محمد صلّى الله عليه وسلّم، فإن العناد من طبعهم. والخطاب لجميع اليهود، لأنهم فعلوا ذلك في الماضي ورضي عنهم أولادهم.
ومن قبائحهم قولهم للنبي صلّى الله عليه وسلّم: قلوبنا عليها غشاء، فلا تعي ما تقوله، ولا تفقه ما تتكلم به، فيرد الله عليهم: لستم كذلك، فقلوبكم خلقت مستعدة بالفطرة للنظر الذي يوصل إلى الحق، لكن الله أبعدكم من رحمته، بسبب كفركم