وأما وجود العناد من الكفار فدل عليه قوله تعالى:{وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} أي صلبت وغلظت، وهي عبارة عن الكفر والإصرار على المعصية.
وهم في ذلك متأثرون بالشيطان:{وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} أي أغواهم بالمعاصي وحملهم عليها.
والإنعام على عبد ليس دليل الرضا عليه، وإنما إذا وجدت النعمة مع البقاء على المعصية، كان ذلك استدراجا من الله تعالى، كما قال:{وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}[القلم ٤٥/ ٦٨]. قال بعض العلماء: رحم الله عبدا تدبر هذه الآية:
{حَتّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً}. وقال محمد بن النضر الحارثي: أمهل هؤلاء القوم عشرين سنة. وقال الحسن البصري: والله ما أحد من الناس بسط الله له في الدنيا، فلم يخف أن يكون قد مكر له فيها إلا كان قد نقص عمله، وعجز رأيه، وما أمسكها الله عن عبد فلم يظن أنه خير له فيها، إلا كان قد نقص عمله، وعجز رأيه».
وإن تدمير الأقوام وإهلاك الأمم مأساة في عرفنا، ولكن في تقدير الله عبرة وعظة حتى لا يستشري الفساد. وتضمنت آية {فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ..}. على وجوب ترك الظلم؛ لما يؤدي إليه من العذاب الدائم، وتضمنت أيضا وجوب حمد الله تعالى الذي يعاقب الظلمة، حتى لا يدوم الفساد، وينضب عنصر الخير.