ثم ذكر الله تعالى بعض مظاهر قدرته وتصرفه في الكون والمراحل التي يمر بها الإنسان في أحوال المعيشة والموت والبعث وعند الحساب في الدار الآخرة فقال:{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ.}. أي أن الله يتوفى عباده في منامهم بالليل أي بالنوم، وهذا هو التوفي الأصغر، كما قال تعالى:{اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها، وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها، فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ، وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الزمر ٤٢/ ٣٩] فذكر في كل من هاتين الآيتين حكم الوفاتين: الصغرى، ثم الكبرى.
ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار، وهذه جملة معترضة دلت على إحاطة علمه تعالى بخلقه في ليلهم ونهارهم، في حال سكونهم وحال حركتهم، كما قال تعالى:{سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ، وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ}[الرعد ١٠/ ١٣].
ثم بعد هذا التوفي بالنوم والعلم بأعمالكم في النهار، يبعثكم في النهار أي يثيركم ويرسلكم فيه، على ما هو الأظهر الذي رجحه ابن كثير، وهو قول مجاهد وقتادة والسدي.
هذا التقلب في الليل والنهار لأجل أن يقضى وينفذ الأجل المسمى الذي في علمه تعالى لكل واحد منكم، فإن الآجال والأعمار محدودة ومقدرة مكتوبة سابقا.
ثم إلى الله مرجعكم يوم القيامة بعد تمام الآجال، ثم يخبركم بأعمالكم التي عملتموها في الدنيا، ويجازيكم عليها إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
والله هو القاهر فوق عباده أي هو الذي قهر كل شيء، وخضع لجلاله وعظمته وكبريائه كل شيء، وهو القادر على البعث؛ لأن من قدر على بعث من توفي بالنوم قادر على بعث من توفي بالموت، وهو المتصرف بعباده، يفعل بهم ما يشاء إيجادا وإعداما، إحياء وإماتة.