للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إفاضته إلا على رسله، بدليل قوله تعالى: {وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ، وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ} [آل عمران ١٧٩/ ٣] وقوله: {عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ} [الجن ٢٦/ ٧٢ - ٢٧].

٢ - قال العلماء: أضاف سبحانه علم الغيب إلى نفسه في غير ما آية من كتابه إلا من اصطفى من عباده، فمن قال: إنه ينزّل الغيث غدا وجزم فهو كافر، أخبر عنه بأمارة ادعاها أم لا. وكذلك من قال: إنه يعلم ما في الرحم فهو كافر، فإن لم يجزم وقال: إن النّوء (١) ينزل الله به الماء عادة، وأنه سبب الماء عادة، وأنه سبب الماء على ما قدّره وسبق في علمه، لم يكفر، إلا أنه يستحب له ألا يتكلم به، فإن فيه تشبها بكلمة أهل الكفر، وجهلا بلطيف حكمته؛ لأنه ينزل متى شاء، مرة بنوء كذا، ومرة دون النّوء (٢).

والكهانة (ادعاء معرفة الماضي وعلم الغيب) والعرافة (ادعاء معرفة الماضي والمستقبل) كذب يتنافى كل منهما مع أصل معرفة الله الغيب وانحصار ذلك به،

جاء في صحيح مسلم عن بعض أزواج النّبي صلّى الله عليه وسلّم أن النّبي صلى الله عليه وآله قال: «من أتى عرّافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» والعرّاف: هو الحازر والمنجّم الذي يدعي علم الغيب، ويستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدّعي معرفتها، وقد يستعين بالنجوم وغيرها، وأسباب معتادة في ذلك. وهذا فن العيافة، وكلها ينطلق عليها اسم الكهانة.

قال ابن عبد البر: من المكاسب المجمع على تحريمها الربا ومهور البغايا والسّحت والرشا وأخذ الأجرة على النياحة والغناء، وعلى الكهانة وادعاء الغيب وأخبار السماء، وعلى الزمر واللعب والباطل كله.


(١) النوء: سقوط‍ نجم من المنازل في المغرب مع الفجر، وطلوع آخر من المشرق يقابله من ساعته، وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد إلى الساقط‍ منها.
(٢) تفسير القرطبي: ٢/ ٧

<<  <  ج: ص:  >  >>