ويتدبرون عن الله آياته وحججه وبراهينه، فتحدث عندهم العبرة والعظة وتصحيح أحوالهم.
ولكن قوم النّبي صلّى الله عليه وسلّم وهم قريش كذبوا بالقرآن الذي جئتهم به والهدى والبيان أو بالعذاب الذي هدوا به، والحال أنه الحق الصدق أي الذي ليس وراءه حق، فالقرآن حق ثابت لا شك فيه، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والعذاب لا بد أن ينزل بهم، فكل منهما يثبته الحس والعقل والوجدان.
ثم لا سبيل إلى إجبارهم على الإيمان، فقل لهم أيها الرسول: إنني لست عليكم بحفيظ ولا رقيب {وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ}[الأنعام ١٠٤/ ٦] أي أحفظ عليكم أعمالكم، ولست بموكل بكم، كقوله:{وَقُلِ: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ، وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف ٢٩/ ١٨] وقوله: {فَذَكِّرْ، إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}[الغاشية ٢١/ ٨٨ - ٢٢].
وقوله:{نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ، وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ، فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ}[ق ٤٥/ ٥٠] أي إنما علي البلاغ، وعليكم السمع والطاعة، فمن اتبعني سعد في الدنيا والآخرة، ومن خالفني شقي في الدنيا والآخرة.
وأخيرا جاء التهديد والوعيد على التكذيب بالقرآن أو بالعذاب، فقال تعالى:{لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ.}. أي لكل خبر يخبر به وقت استقرار ووقوع وحصول لا بد منه ولو بعد حين، قال ابن عباس وغيره:«لكل نبأ حقيقة» أي لكل خبر وقوع ولو بعد زمن، كقوله تعالى:{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}[ص ٨٨/ ٣٨] وقوله: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ}[الرعد ٣٨/ ١٣]. هذا تهديد ووعيد أكيد، أتبعه بتهديد آخر فقال: