والمقصود بالآية ضرب مثل مفاده: أن من يرتد مشركا بعد الإيمان، كمن جعله الجنون هائما على وجهه، ضالا في الطرقات، حيران لا يهتدي، تاركا رفاقه على الطريق المستقيم، وهم ينادونه: ائتنا، وعد إلينا، فإنا على الطريق الصحيح، فلا يستجيب لهم. فهذا مثل من يتبع آلهة الأصنام ويعبدها من دون الله، فإنه يرى أنه في شيء، حتى يأتيه الموت، فلا يجد إلا الندامة والهلاك، علما بأن له صاحبا مخلصا وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم يدعوا إلى الطريق الحق وهو الإسلام.
قال الزمخشري: وهذا مبني على ما تزعمه العرب وتعتقده أن الجن تستهوي الإنسان، والغيلان تستولي عليه، كقوله:{كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ}[البقرة ٢٧٥/ ٢] فشبه الضال عن طريق الإسلام بالتابع لخطوات الشيطان، والمسلمون يدعونه إلى الدين الحق، فلا يلتفت إليهم (١).
وقوله:{كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ} أي أضلته في الأرض، والشياطين: هم الغيلان يدعونه باسمه واسم أبيه وجده، فيتبعها، وهو يرى أنه في شيء، فيصبح وقد رمته في هلكة.
أدعهم أيها الرسول لدين الحق، وقل لهم: إن هدى الله في قرآنه هو الهدى، وطريق الإسلام هو الحق، وهو الصراط المستقيم، لا ما تدعون إليه من أهوائكم.
وقل لهم: وأمرنا بأن نسلم لله رب العالمين، أي نخلص له العبادة وحده لا شريك له، فأسلمنا.
وأمرنا بأن أقيموا الصلاة، أي أمرنا بالإسلام وبإقامة الصلاة: وهي الإتيان بها على الوجه الأكمل الذي شرعت من أجله، وهو تزكية النفس بمناجاة الله، والنهي عن الفحشاء والمنكر.