والتعبير بالضلال المبين: معناه الانحراف عن طريق الاستقامة، كما قال تعالى لنبيه محمد:{وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى}[الضحى ٧/ ٩٣].
وكما أرينا إبراهيم ضلال أبيه وقومه في عبادتهم الأصنام والأوثان، أريناه مرة بعد أخرى ملكوت السموات والأرض، أي خلقهما بما فيهما من بديع النظام وغريب الخلق والصنع، فاطلع على أسرار الكون وخفاياه من أرض وسماء، ليستدل بذلك على وحدانيتنا وعظيم قدرتنا وسعة علمنا:{صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}[النمل ٨٨/ ٢٧].
نعرّف إبراهيم ذلك ونبصره ونوفقه، ونرشده بما شرحنا صدره وسددنا نظره، وهديناه لطريق الاستدلال، وليكون ممن أيقن تمام الإيقان أن شيئا من الأصنام والشمس والقمر والكواكب لا يصح أن يكون إلها، لقيام دليل الحدوث فيها، وأن وراءها محدثا أحدثها، وصانعا صنعها، ومدبرا دبر طلوعها وأفولها وانتقالها ومسيرها وسائر أحوالها، فتكون تلك الآيات دالة على الألوهية والربوبية، وحجة على المشركين الضالين. واليقين: علم قطعي يحصل بعد زوال الشبهة بسبب التأمل.
ثم أوضح الله تعالى ما رآه إبراهيم من ملكوت السموات والأرض، فقال:{فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً} أي لما أظلم عليه الليل، رأى كوكبا عظيما متميزا عن سائر الكواكب بإشراقه ولمعانه، وهو كوكب المشتري أو الزهري، قال: هذا ربي، أي قال هذا في مقام المناظرة والحجاج لقومه، تمهيدا للإنكار عليهم ولإقامة الحجة عليهم، فأوهمهم أولا أنه موافق لهم على زعمهم، ثم نقضه بالحس والعقل.
فلما غرب هذا الكوكب، قال إبراهيم: ما هذا بإله، ولا أحب ما يغيب ويختفي! لأن الإله له السيطرة على الكون، وهو السميع البصير الرقيب، الذي لا يغيب ولا يغفل؛ إذ كيف يغيب الإله ويستتر؟ قال تعالى {لِمَ تَعْبُدُ