والظاهر مما تقدم أن قوم إبراهيم كانوا يتخذون الأصنام آلهة لا أربابا، ويتخذون الكواكب أربابا آلهة، والإله: هو المعبود، والرب: هو السيد المالك المربّي المدبر المتصرف. والعبادة: هي التوجه بالدعاء والتعظيم لخالق الخلق. وليس للخلق إله ولا رب سوى الله.
وموقف إبراهيم كان موقف الممثل للمجادل البارع على سبيل الافتراض أنه غير مؤمن، أما في الحقيقة والواقع فلم يكن إبراهيم ناظرا في مقام إثبات الألوهية والربوبية؛ لأن الله قال في حقه:{وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ، وَكُنّا بِهِ عالِمِينَ. إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ: ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ}[الأنبياء ٢١/ ٥١ - ٥٢] وقال تعالى: {إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً، وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. شاكِراً لِأَنْعُمِهِ، اِجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً، وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ. ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً، وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[النحل ١٦/ ١٢٠ - ١٢٣] وقال تعالى: {قُلْ:}{إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً، وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[الأنعام ٦/ ١٦١]. وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:«كل مولود يولد على الفطرة» وفي صحيح مسلم عن عياض بن حماد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله: إني خلقت عبادي حنفاء» وقال الله في قرآنه المجيد: {فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها، لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ}[الروم ٣٠/ ٣٠] وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا: بَلى}[الأعراف ٧/ ١٧٢].