ومعنى قوله:{وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها} أي إنما يعود وبالله عليه، كقوله تعالى:{فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ، وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج ٤٦/ ٢٢].
{وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} أي لست عليكم بحافظ ولا رقيب، بل إنما أنا مبلّغ ومنذر، والله يهدي من يشاء، ويضل من يشاء.
{وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ} أي وكما فصلنا الآيات في هذه السورة من بيان لتوحيد وأنه لا إله إلا هو، هكذا نوضح الآيات ونفسرها ونبينها في كل موطن، لجهالة الجاهلين، وليؤول الأمر بأن يقول المشركون والكافرون المكذبون:
درست هذا وقرأته على غيرك، أو دارست يا محمد من قبلك من أهل الكتاب، وتعلمت منهم، وليس وحيا من عند الله.
أي إن تصريف الآيات وتقليبها على وجوه مختلفة بحسب المقامات يستهدف:
١ - أن يهتدي بها المستعدون للإيمان.
٢ - وأن يقول الجاحدون المعاندون: إنما درست هذا وقرأته على غيرك، وليس هذا بوحي كما تزعم، وزعموا أنه تعلم من غلام رومي حداد أعجمي وليس بعربي، كان يصنع السيوف بمكة، اسمه «قيس» كما حكى تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ، لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ، وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}[النحل ١٠٣/ ١٦].
٣ - {وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أي ولنوضحه لقوم يعلمون الحق، فيتبعونه، والباطل فيجتنبونه، فالبيان إنما يفيد أهل العلم المدركين الذين يستخدمون بصائرهم في مدلولات القرآن، فهم الذين يتبين لهم بالتأمل حقيقة القرآن ودلائله. أما الجاهلون الذين لم يفهموا آيات القرآن، فلا ينتفعون به.