للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشهدوا على أنفسهم يوم القيامة أنهم كانوا كافرين في الدنيا، بما جاءتهم به الرسل عليهم السلام.

ذلك أي إرسال الرسل وإنذارهم الناس، وإنزال الكتب، بسبب أن من سنة الله ألا يؤاخذ أحد بظلمه إذا لم تبلغه الدعوة، وألا تهلك الأمم بعذاب الاستئصال، إلا بعد إرسال الرسل إليهم، كما قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّ خَلا فِيها نَذِيرٌ} [فاطر ٢٤/ ٣٥] وقال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ، وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ} [النحل ٣٦/ ١٦] وقال عزّ وجلّ:

{وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء ١٥/ ١٧].

وقوله تعالى: {بِظُلْمٍ} يحتمل-كما ذكر الطبري-وجهين: الأول-بشرك ونحوه، أي أن الظلم فعل للكفار. والثاني-لا يكون الهلاك ظلما بغير حق دون التنبيه والتذكير بالرسل والآيات والعبرة، أي أن ذلك عائد إلى فعل الله تعالى والوجه الأول أقوى، كما قال الطبري (١) والرازي وغيرهما، والخلاصة: إن الله لا يظلم أحدا من خلقه، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، فكل ما نزل وينزل بالمسلمين إنما هو لسوء أعمالهم، وتركهم دينهم، والعيب فيهم لا في نظام شرعهم.

ولكل عامل في طاعة الله أو معصيته مراتب ومنازل من عمله، يبلغه الله إياها، ويثيبه بها، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.

والله مطلع على كل الأعمال، فما من عمل لهم إلا يعلمه، وهو محصيه ومثبته لهم عنده، ليجازيهم عليها عند لقائهم إياه، ومعادهم إليه.

وهذا دليل على أن مناط‍ السعادة والشقاء: هو عمل الإنسان ومشيئته، أو كسبه وإرادته واختياره.


(١) تفسير الطبري: ٢٨/ ٨

<<  <  ج: ص:  >  >>