وأخرج ابن أبي حاتم وغيره بسند صحيح عن عائشة أنها كانت إذا سئلت عن أكل كل ذي ناب من السّباع ومخلب من الطّير، قالت:{قُلْ:}
{لا أَجِدُ..}. إلخ.
وروي عن ابن عباس أنه قال: ليس من الدّواب شيء حرام إلا ما حرّم الله تعالى في كتابه: {قُلْ: لا أَجِدُ} الآية. واستدلّ بقوله سبحانه:{عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ} على أنه إنما حرّم من الميتة ما يأتي فيه الأكل منها، فلم يتناول الجلد المدبوغ والشعر ونحوه، وقد فهم النّبي صلّى الله عليه وسلّم من النّظم الكريم ذلك، أخرج أحمد وغيره عن ابن عباس قال: ماتت شاة لسودة بنت زمعة،
وفي رواية: لميمونة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«لو أخذتم مسكها-جلدها-»، فقالت: نأخذ مسك شاة قد ماتت، فقال صلّى الله عليه وسلّم:«إنما قال الله تعالى: {قُلْ: لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ، إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} وإنّكم لا تطعمونه، إن تدبغوه تنتفعوا به».
ثم أخبر الله سبحانه عما حرّمه على بني إسرائيل خاصة، عقوبة لهم، على سبيل المقارنة بما شرعه القرآن للمسلمين، فقال:{وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا.}. أي وحرّمنا على اليهود دون غيرهم كل ذي ظفر: وهو كلّ ما ليس منفرج الأصابع، أو مشقوق الأصابع من البهائم والطير، كالإبل والنّعام والإوزّ والبط، كما قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير.
وحرّمنا عليهم من البقر والغنم دون غيرهما شحومهما الزائدة التي تنتزع بسهولة، لعدم اختلاطها بلحم ولا عظم، وهي ما على الكرش والكلى فقط، أما شحوم الظّهر والذّيل فحلال؛ لقوله تعالى:{إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما} وإلا {الْحَوايا}: ما حملته الأنعام، وإلا {مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ}، فكل هذه الشحوم أحللناه لهم.