للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا كتاب أنزلناه لئلا تقولوا وهو خطاب لأهل مكة: إنما اقتصر إنزال الكتاب على من قبلنا من اليهود والنصارى، أي لينقطع عذركم، ولئلا تقولوا:

إنا كنا عن معرفة الكتب السابقة غافلين، لا ندري ما هي؛ لأنها ليست بلغتنا، ولأننا قوم أميون لا نعرف ما يعرفه ويدرسه غيرنا.

ولئلا تقولوا أيضا لو أنزل علينا ما أنزل عليهم، لكنا أهدى منهم فيما أوتوه؛ لأننا أكثر ذكاء وفهما، وأعمق بصيرة، وأمضى عزيمة، كقوله تعالى:

{وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ، لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ، لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} [فاطر ٤٢/ ٣٥] أي أهدى من إحدى الأمم المجاورة من أهل الكتاب.

فرد الله عليهم بما يقطع كل تعلل واعتذار بقوله: {فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ.}.

أي فقد جاءكم على لسان رسولنا النبي العربي محمد صلّى الله عليه وسلّم قرآن عظيم، فيه بيان للحلال والحرام، وهدى لما في القلوب، ورحمة من الله لعباده الذين يتبعونه، ويقتفون ما فيه، وهو يشتمل على الحق المؤيد بالحجج والبراهين في العقيدة والآداب والأحكام.

ثم أبان الله سوء عاقبة من كذب بالقرآن، فقال: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ.}. أي لا أحد أظلم ممن كذب بآيات الله، بعد ما عرف صحتها وصدقها، أو تمكن من معرفة ذلك، وأعرض عنها، ومنع الناس عن التفكير فيها، كما كان يفعل زعماء مكة، كقوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ} [الأنعام ٢٦/ ٦].

ثم أتبع الله ذلك بالتهديد والوعيد والعقاب لكل معرض عن القرآن، كما هو الشأن الغالب بعد بيان أسباب الهداية، فقال: {سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ.}.

أي سنجازي المعرضين عن آياتنا أشد العذاب بسبب حجب عقولهم ونفوسهم وغيرهم عن هداية الله، والإعراض عنها؛ لأنهم يتحملون وزرهم ووزر من

<<  <  ج: ص:  >  >>