ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان فاعلا لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه».
قال بعض السلف: جمع الله الطبّ كله في نصف آية: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا، وَلا تُسْرِفُوا}.
يذكر أن الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق فقال لعلي بن الحسين: ليس في كتابكم من علم الطب شيء، والعلم علمان: علم الأديان وعلم الأبدان، فقال له علي: قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابنا. فقال له: ما هي؟ قال: قوله عز وجل: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} فقال النصراني: ولا يؤثر عن رسولكم شيء من الطب. فقال علي: جمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الطب في ألفاظ يسيرة. قال: ما هي؟ قال:«ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه» الحديث، فقال النصراني: ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا (١).
وقال البخاري: قال ابن عباس: «كل ما شئت، والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة» أي كبر وإعجاب بالنفس.
والإسراف: تجاوز الحد في كل شيء. والله تعالى يحب إحلال ما أحل، وتحريم ما حرم، وذلك العدل الذي أمر به، فلا يصح تجاوز الحد الطبيعي كالجوع والعطش والشّبع والرّي، ولا المادي بأن تكون النفقة بنسبة معينة من الدّخل لا تستأصله كله، ولا الشرعي فلا يجوز تناول ما حرم الله من الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذبح لغير الله، والخمر، إلا للضرورة، ولا يحل الأكل والشرب في أواني الذهب والفضة، ولا لبس الحرير الطبيعي أو تشبه الرجال بالنساء أو بالعكس.
وبناء عليه يكون فعل كل من البخلاء والمترفين المسرفين حراما لا يسوغ
(١) تفسير القرطبي: ١٩٢/ ٧، محاسن التأويل للقاسمي: ٢٦٦٤/ ٧