للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأشربة مما لا يحظره دليل، بعد أن لا يكون مسرفا فيما يأتيه من ذلك، لأنه أطلق الأكل والشرب على شريطة ألا يكون مسرفا فيهما (١).

فأما ما تدعو الحاجة إليه: وهو ما سد الجوعة، وسكّن الظمأ، فمندوب إليه عقلا وشرعا؛ لما فيه من حفظ‍ النفس والجسد؛ ولذلك ورد الشرع بالنهي عن الوصال؛ لأنه يضعف الجسد، ويميت النفس، ويضعف عن العبادة، وهو أمر يمنع منه الشرع، ويدفعه العقل.

وأما تناول الزائد عن الحاجة فقيل: حرام، وقيل: مكروه. قال ابن العربي: وهو الأصح؛ فإنّ قدر الشبع يختلف باختلاف البلدان والأزمان والأسنان والطّعمان (٢).

وقد رغب النّبي صلّى الله عليه وسلّم في تقليل الطعام،

فقال فيما رواه الترمذي عن المقدام بن معديكرب: «ما ملأ آدمي ووعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه».

وروى مسلم عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الكافر يأكل في سبعة أمعاء، والمؤمن يأكل في معى واحد» المعى: المعدة. والمعنى أن يأكل أكل من له سبعة أمعاء، والمؤمن بخفة أكله يأكل أكل من ليس له إلا معى واحد، فيشارك الكافر بجزء من أجزاء أكله، ويزيد الكافر عليه بسبعة أمثاله؛ لأن فقد الإيمان يجعله مقبلا على انتهاب اللذات والمتع المادية.

والإسراف بكثرة الأكل والشرب ممنوع شرعا؛ لأن التخمة بالأكل تربك أعضاء الهضم، وتذهب الفطنة، وكثرة الشرب تثقل المعدة، وتثبط‍ الإنسان عن


(١) أحكام القرآن: ٣٣/ ٣
(٢) أحكام القرآن: ٧٧١/ ٢

<<  <  ج: ص:  >  >>