جاء هذا وعكسه. والمراد أنه يعقبه سريعا دون وجود فاصل أو تأخر، مثل قوله تعالى:{وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ، فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ. وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها، ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ، وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}[يس ٣٧/ ٣٦ - ٤٠].
وفي تعاقب الليل والنهار منافع كثيرة، إذ بتعاقبهما يتم أمر الحياة، وتتحقق مصالح الناس.
وقد تأيد هذا الطلب السريع بما أثبته العلم الحديث من كروية الأرض ودورانها على محورها حول الشمس، فيكون نصف كرتها مضيئا بالشمس، والنصف الآخر مظلما، فإذا كان الوقت نهارا في الشرق الأوسط مثلا، كان الوقت ليلا في أمريكا الجنوبية وطوكيو-اليابان. وقد سبق إلى ما قرره العلماء المعاصرون كثير من علماء الإسلام كالغزالي والرازي وابن تيمية وابن قيّم الجوزية.
ومن مظاهر التدبير الإلهي للكون: خلقه الشمس والقمر وسائر النجوم والكواكب، وكونها جميعا تحت قهره وتسخيره ومشيئته، أي أنها خاضعة لأمره وتصرفه. لذا قال:{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} أي أنه هو الخالق المبدع المالك، المتصرف المدبر، فمعنى {لَهُ الْخَلْقُ} أي له ملك المخلوقات كلها كبيرها وصغيرها، ومعنى له {الْأَمْرُ} أي التصرف والتدبير، ليس لأحد شيء.
{تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ} أي تعاظم وتنزّه، وانفرد بالربوبية، وكل ما في العالم من الخيرات الكثيرة منه، فعلى عباده شكره عليها، وعبادته دون غيره. كقوله:{تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الملك ١/ ٦٧] وقوله: {تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً، وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً}[الفرقان ٦١/ ٢٥].