وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، والأمثال تقرن ببعضها لمعرفة تماثلها في الحكم، فإنه تعالى أشار إلى إنكار البعث، فقال:{كَذلِكَ نُخْرِجُ.}. أي مثل هذا الإخراج لأنواع النبات من الأرض الميتة الجدبة بالماء، نخرج الموتى ونبعثهم، فالله على كلّ شيء قدير، يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، وقد بينا هذا الشبه لتتذكروا وتتعظوا، فتؤمنوا بالبعث أو اليوم الآخر. كما قال تعالى:{وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ، قالَ: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}.
ولكن استعداد الناس للإيمان بالبعث مختلف باختلاف الطبائع والنفوس، فمنها الطيب الذي يتجاوب لنداء الإيمان، ومنها الخبيث الذي يعرض عن الإيمان، لذا قال تعالى:{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ..}. أي إن الأرض الطيبة التربة يخرج نباتها سريعا حسنا، والأرض الخبيثة التربة كالسّبخة ونحوها، لا يخرج نباتها القليل إلا بعسر وصعوبة.
قال ابن عباس: هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر. أي إنه تعالى شبه المؤمن بالأرض الخيّرة، والكافر بالأرض السبخة، ومثله
الحديث الذي رواه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير، أصاب أرضا، فكانت منها نقيّة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبث كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به».