وكان أول ما عبدت الأصنام: أن قوما صالحين ماتوا، فبنى قومهم عليهم مساجد، وصوروا صورهم، ليتذكروا حالهم وعبادتهم، فيتشبهوا بهم، فلما طال الزمان جعلوا أجسادا على تلك الصور، فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام، وسموها بأسماء أولئك الصالحين: ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا.
فلما تفاقم الأمر بعث الله تعالى رسوله نوحا، فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له، فقال:{يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ..} ..
وذكر نوح في (٤٣) ثلاثة وأربعين موضعا من القرآن الكريم، وذكرت قصته مفصلة في سورة الأعراف وهود والمؤمنون والشعراء والقمر ونوح. ومضمون قصته: أنه دعا قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأن يتركوا عبادة الأصنام، ولكنهم عاندوه وعارضوه وآذوه، واتبعوا بعض زعمائهم، ومكروا مكرا عظيما، وصمموا ألا يذروا عبادة: ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر. وقالوا في حماقة وكبرياء: إنك جادلتنا فأكثرت جدالنا، وإنا لن نترك ما نحن عليه، فأتنا بالعذاب الذي تهددنا به، فرد عليهم بأن تعذيبهم بيد الله تعالى.
ولما يئس نوح من إيمان قومه بعد دعوتهم إليه ألف سنة إلا خمسين، أمره الله تعالى بصناعة سفينة أداة النجاة، وكانوا كلما مروا عليه سخروا منه ومن عمله.
فلما أتمها، وأمره الله تعالى أن يأخذ معه أهله إلا زوجته، وأن يأخذ من آمن معه من قومه، وكانوا ستة فقط، وقيل: أربعين رجلا وامرأة، وأن يصحب معه من أجناس الحيوان والطير والوحش زوجين اثنين.
ثم فار تنور أهله بالماء، وبدأ تفجر الماء الكثير من كل مكان حتى عمّ الطوفان قومه وكل ما على الأرض من إنسان وحيوان، فهلكوا حتى ابنه الذي أبى الركوب في السفينة قائلا:{سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ}