جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال لأصحابه يوم عرفة، وهم أوفر ما كانوا وأكثر جمعا:«أيها الناس، إنكم مسئولون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا:
نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فجعل يرفع أصبعه إلى السماء، وينكسها عليهم ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد».
ثم أخبر الله تعالى عن نوح أنه قال لقومه: أكذبتم وعجبتم أن جاءكم ذكر يذكّركم، ووعظ من ربكن، على لسان رجل منكم، ليحذّرنكم عاقبة كفركم، وينذركم عاقبة الشرك في العبادة، وليعدّكم بالتقوى (أي التزام الأوامر واجتناب النواهي) لرحمته تعالى التي ينزلها على المؤمنين، أو ليوجد فيكم التقوى وهي الخشية بسبب الإنذار، ولترحموا بالتقوى إن وجدت منكم.
ليس هذا بعجب أن يوحي الله إلى رجل من جنسكم، رحمة بكم، ولطفا وإحسانا إليكم، لينذركم، ولتتقوا نقمه ولا تشركوا به، وليرحمكم ربكم بطاعته والإيمان برسله.
لكنهم لم يصغوا لنداء الحق والإخلاص هذا، وتمادوا في تكذيبه ومخالفته من قبل الأكثرية، وما آمن معه منهم إلا قليل، كما قال تعالى في موضع آخر:
{وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ}[هود ٤٠/ ١١] قيل: كانت عدتهم ثلاثة عشر: نوح وبنوه: سام وحام ويافث وزوجاتهم، وستة آخرون آمنوا به. وقيل: كانوا أربعين أو ثمانين: أربعين رجلا وأربعين امرأة.
فكان العقاب إغراقهم بالطوفان:{وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا..}. أي وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا أو جحدوا بها بالطوفان، بسبب كفرهم وتماديهم في ضلالهم وشركهم، إنهم كانوا قوما عميا عن الحق، لا يبصرونه ولا يهتدون له.
فقوله:{عَمِينَ} يراد به عمى القلوب غير مستبصرين، والفرق بين العمى والأعمى أن الأول بسبب عمى البصيرة، والثاني بسبب عمى البصر.