وليس النسخ لظهور أو بداء المصالح الجديدة المقتضية لتغيير الحكم، فالله سبحانه الناسخ يعلم الماضي والحاضر والمستقبل، وهو يتدرج في معالجة الأوضاع تبعا للظروف والأحوال، منعا من المفاجأة وأحكام الطفرة، كالتدرج في تحريم الخمر أو الربا الذي مرّ بمراحل أربع، والتدرج في تقرير أحكام الجهاد من سلم مطلق إلى إعداد النفوس، إلى فرضية القتال بحسب الضعف، ثم بحسب القوة وكثرة العدد.
ومعنى الآية: ما نغير حكم آية، أو نجعلك تنساها فلا تذكرها، أو نامر بتركها أو نؤجلها، إلا أتينا بما هو خير منها للعباد بكثرة الثواب إن كان الناسخ أثقل أو تحقيق المصلحة إن كان الناسخ أخف، أو مثلها على الأقل في التكليف والثواب.
قال الفخر الرازي: وقد جاء النسيان بمعنى الترك في قوله تعالى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}[طه ١١٥/ ٢٠] أي فترك، وقال تعالى:{الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا}[الجاثية ٣٤/ ٤٥]، وقال تعالى:{كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا، فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى}[طه ١٢٦/ ٢٠].
ونسخ الحكم قد يكون ببدل أخف وأيسر، كنسخ عدة المتوفى عنها زوجها من الحول إلى أربعة أشهر وعشر، أو ببدل مساو كنسخ التوجه إلى بيت المقدس بالتوجه إلى الكعبة عند الصلاة، أو بأشق منه وثوابه أكثر كنسخ ترك القتال بإيجابه على المسلمين، ونسخ حبس الزناة في البيوت إلى الجلد، ونسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان لأنه كما
في الحديث الثبت:«أفضل الأعمال أحمزها» أي أشقها، وقد تكون الخيرية بإسقاط التكليف لا إلى بدل في رأي جمهور الأصوليين، مثل نسخ وجوب تقديم الصدقة عند مناجاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ونسخ ادخار لحوم الأضاحي، ونسخ تحريم المباشرة في ليالي رمضان، بقوله سبحانه:
{فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ}[البقرة ١٨٧/ ٢]، ونسخ وجوب الإمساك بعد النوم في ليالي