نوح. وكان من أوسطهم وأفضلهم حسبا، فكذبوه، وازدادوا عتوا وتجبرا، فأمسك الله عنهم القطر ثلاث سنين، حتى جهدوا، وكان الناس إذا نزل بهم بلاء، طلبوا إلى الله تعالى الفرج منه عند بيته المحرم، مسلمهم ومشركهم، وأهل مكة إذ ذاك العماليق أولاد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، وسيدهم معاوية بن بكر.
فجهزت عاد إلى مكة من أماثلهم سبعين رجلا، منهم: قيل بن عنز ومرثد بن سعد الذي كان يكتم إسلامه، فلما قدموا نزلوا على معاوية بن بكر وهو بظاهر مكة خارجا عن الحرم، فأنزلهم وأكرمهم، وكانوا أخواله وأصهاره، فأقاموا عنده شهرا يشربون الخمر، وتغنيهم الجرادتان (قينتان كانتا لمعاوية) فلما رأى طول مقامهم وذهولهم باللهو عما قدموا له، أهمّه ذلك، وقال: قد هلك أخوالي وأصهاري، وهؤلاء على ما هم عليه، وكان يستحيي أن يكلمهم، خيفة أن يظنوا به ثقل مقامهم عليه، فذكر ذلك للقينتين، فقالتا: قل شعرا نغنيهم به، لا يدرون من قاله، فقال معاوية:
ألا يا قيل، ويحك قم فهينم... لعل الله يسقينا غماما
فيسقي أرض عاد إن عادا... قد امسوا ما يبينون الكلاما
فلما غنّتا به قالوا: إن قومكم يتغوّثون (١) من البلاء الذي نزل بهم، وقد أبطأتم عليهم، فادخلوا الحرم، واستسقوا لقومكم، فقال لهم مرثد بن سعد: والله لا تسقون بدعائكم، ولكن إن أطعتم نبيكم، وتبتم إلى الله سقيتم، وأظهر إسلامه.
فقالوا لمعاوية: احبس عنا مرثدا، لا يقدمن معنا مكة، فإنه قد اتبع دين هود، وترك ديننا، ثم دخلوا مكة، فقال قيل: اللهم اسق عادا ما كنت تسقيهم.