وطلب المستكبرون منه آية على صدقه، فأيّده الله بالنّاقة وقال لهم:{لَها شِرْبٌ، وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}[الشعراء ٢٦/ ١٥٥]، {إِنّا مُرْسِلُوا النّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ، وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ، كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ}[القمر ٥٤/ ٢٧ - ٢٨]، فكانت تشرب ماء البئر أو النّهر الصغير في يوم، ويشربون منه في اليوم التالي، ويحلبون منها ما شاؤوا فلا ينضب حليبها.
وأمرهم ألا يمسّوها بسوء، وأن يذروها تأكل في أرض الله، وبذل صالح عليه السّلام قصارى جهده في تذكير قومه بنعم الله تعالى عليهم، ونهاهم عن أن يعثوا في الأرض مفسدين.
فتكبّروا عن الإيمان به، واستخفّوا به، وعاندوه، وعتوا عن أمر ربّهم، وعقروا النّاقة، عقرها قدار بن سالف بأمرهم:{فَعَقَرُوا النّاقَةَ، وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ، وَقالُوا: يا صالِحُ: اِئْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[الأعراف ٧/ ٧٧]، {فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ}[القمر ٥٤/ ٢٩].
فقال لهم:{تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ}[هود ١١/ ٦٥]، {فَتَوَلّى عَنْهُمْ، وَقالَ: يا قَوْمِ، لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النّاصِحِينَ}[الأعراف ٧/ ٧٩]، ثم نزل عليهم العذاب عذاب الرّجفة (الواقعة الشديدة من صوت الرّعد، المصحوبة بقطعة من نار تحرق ما أتت عليه) أو عذاب الصيحة: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ، فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ}[الأعراف ٧/ ٧٨]، وقال تعالى:{فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ. إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً، فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ}[القمر ٥٤/ ٣٠ - ٣١]، وعبّر تعالى عنها أيضا بالصاعقة، وتارة بالطاغية. وكلّ ذلك صحيح؛ لأن الصاعقة تكون