ويلاحظ أن قوله:{وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ} منع عن مفاسد الدنيا، وقوله:{وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} منع من مفاسد الدين، حتى تكون الآية جامعة للنهي عن مفاسد الدنيا والدين.
{ذلِكُمْ} إشارة إلى هذه التكاليف الخمسة من عبادة الله، والتصديق بنبوتي، والوفاء بالكيل والميزان، وترك البخس والإفساد في الأرض. والمعنى:
كل ما ذكر خير لكم في الإنسانية وحسن السمعة وما تطلبونه من الربح المادي، لأن الناس أرغب في معاملتكم إذا عرفوا منكم الأمانة والعدل. وخير لكم في الآخرة بالثواب والرضا الإلهي، إن كنتم مؤمنين بوحدانية الله وبرسوله وبشرعه وهداه وبالآخرة، فالإيمان يقتضي الامتثال والعمل بما جاء به الرسول من عند الله.
ويجوز أن يكون {ذلِكُمْ} إشارة إلى العمل بما أمرهم به ونهاهم عنه، فإن الله لا يأمر إلا بالنافع، ولا ينهى إلا عن الضارّ.
وفي هذا دلالة واضحة على أن العلم وحده لا يكفي للإصلاح، وإنما لا بد في إصلاح الأمم والشعوب من تربية دينية، تقنع الأجيال بمنافع الفضائل كالصدق والأمانة والعدل، وبمضار الانحراف والرذائل؛ لأن الوازع النفسي أقوى من أي ردع أو وازع خارجي.
ثم نهاهم شعيب عن قطع الطريق الحسي والمعنوي بقوله:{وَلا تَقْعُدُوا..}.
أي ولا تقعدوا في مفارق الطرقات تتوعدون الناس بالقتل إن لم يعطوكم أموالهم، أو تخوفون المؤمنين الآتين إلى شعيب ليتبعوه، قال ابن كثير: والأول أظهر، لأنه قال:{بِكُلِّ صِراطٍ} وهو الطريق. أما المعنى الثاني فهو مستفاد من قوله:{وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ}. أي تصرفون من يريد الإيمان عن دين الله، وتودون أن تكون سبيل الله عوجا مائلة، ففي هذه الآية نهاهم