وحين قال فرعون:{سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ} وسمع الإسرائيليّون ذلك، فزعوا وجزعوا وتضجّروا، فطمأنهم موسى ونصحهم وقال لهم: استعينوا بالله وحده، واطلبوا العون والتّأييد منه على رفع ذلك الوعيد عنكم، واصبروا ولا تحزنوا، فالله هو المعين على الشّدائد، والصّبر سلاح المؤمن ومفتاح الفرج، واعلموا {إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ}. وهذا وعد لهم بالنّصر، وأنّ الدّار ستصير لهم.
واللام في {إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ} يجوز أن تكون للعهد، ويراد أرض مصر خاصة، كقوله تعالى:{وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ}[الزّمر ٧٤/ ٣٩]، ويجوز أن تكون للجنس، فيتناول أرض مصر؛ لأنها من جنس الأرض. ثمّ بشّرهم بحسن الخاتمة والعاقبة، فقال:
واعلموا أن العاقبة الحسنى والخاتمة المحمودة لمن اتّقى الله، والنّصر للمؤمنين، لا كما يتوهّم فرعون وقومه.
ثم دار حوار بين بني إسرائيل وموسى، وكأنّ الوصية لم تؤثّر فيهم، ولشدّة فزعهم من فرعون وقومه، فقالوا: أوذينا من قبل مجيئك وقبل ولادتك، ومن بعد إرسالك، وفعلوا بنا مثلما رأيت من الهوان والإذلال من قبل ما جئت يا موسى، ومن بعد ذلك، فقتلوا أولادنا، وعذّبونا وأساؤوا لنا، واليوم يتكرر ما كان في الماضي، وتعود المأساة، كما تسمع من الوعيد والتّهديد.
فأجابهم موسى مؤكّدا نصر الله لهم، وما يصيرون إليه في المستقبل القريب، وثقته بالله تعالى، ومبشّرا بهلاك فرعون واستخلافهم بعده في أرض مصر: أملي بالله ورجائي بفضله، والله محققه بمشيئته:{أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} فرعون وقومه،