للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكائن، فضلا عن مستقبل فتخبر به، ولا في الناس من يعلم منطق الطّير، إلا ما كان الله تعالى خصّ به سليمان صلّى الله عليه وآله وسلم من ذلك، فالتحق الطّير بجملة الباطل (١).

وروى أبو داود عن عبد الله بن مسعود عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الطّيرة شرك -ثلاثا-وما منّا إلا (٢)، ولكن الله يذهبه بالتّوكل».

واشتدّ تمادى قوم فرعون في عنادهم، فقالوا لموسى: مهما تأتنا من آية لتصرفنا عما نحن عليه، فلن نصدق بك. ففي الآية الأولى: {فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ} أسندوا حوادث هذا العالم، لا إلى قضاء الله تعالى وقدره، ثم وقعوا بجهالة وضلالة أخرى في الآية الثانية: {وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ} وهي أنهم لم يميزوا بين المعجزات وبين السّحر، وجعلوا جملة الآيات الدّالة على صدق موسى مثل انقلاب العصا حيّة من باب السّحر منهم، وقالوا لموسى: إنّا لا نقبل شيئا منها البتة.

قال ابن عباس: إن القوم لما قالوا لموسى: مهما أتيتنا بآية من ربك، فهي عندنا من باب السّحر، ونحن لا نؤمن بها البتة، وكان موسى عليه السّلام رجلا حديدا، فعند ذلك دعا عليهم، فاستجاب الله له، فأرسل عليهم الطّوفان الدّائم ليلا ونهارا، سبتا إلى سبت، ثم ذكر بقية الآيات الخمسة، وهي: الجراد، والقمل، والضفادع، والدم.

أمّا الطّوفان: فهو المطر الشّديد حتى عاموا فيه، وأمّا الجراد فأكل النّبات، وأما القمّل فلم يبق في أرضهم عودا أخضر. إلا أكلته، وأما الضّفادع فخرج من


(١) تفسير القرطبي: ٢٢٦/ ٧.
(٢) قال ابن الأثير: هكذا جاء في الحديث مقطوعا، ولم يذكر المستثنى، أي إلا وقد يعتريه التّطيّر، وتسبق إلى قلبه الكراهة، فحذف اختصارا واعتمادا على فهم السّامع. وقوله: «ولكن الله يذهبه بالتّوكل»: معناه أنه إذا خطر له عارض التّطيّر، فتوكل على الله وسلّم إليه، ولم يعمل بذلك الخاطر، غفره الله له ولم يؤاخذه به.

<<  <  ج: ص:  >  >>