وبعد أن جاوز بنو إسرائيل البحر، وقد رأوا من آيات الله وعظيم سلطانه ما رأوا، وشاهدوا أنه تعالى أهلك فرعون وجنوده، وخصهم بالنجاة والسلامة، كانوا في غاية الجهالة والضلالة وجحود النعمة، إذ طلبوا من موسى اتخاذ إله من الأصنام، تأثرا بما رأوه من بعض العرب أو من غيرهم يعبدون الأصنام ويعظمونها ويلازمونها ويقبلون عليها، وتشبها بالمصريين الذين كانوا يعبدون التماثيل. وكأنهم لم يدركوا معنى التوحيد الذي دعاهم إليه موسى عليه السّلام.
أما القوم الذين رأوهم فهم من الكنعانيين (وهم الذين أمر موسى عليه السّلام بقتالهم) وقيل: كانوا من لخم. قال الطبري: وكانوا يعبدون أصناما على صور البقر، فلهذا أثار ذلك شبهة لهم في عبادتهم العجل بعدئذ.
فقالوا:{يا مُوسَى، اِجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ}، أي اجعل لنا صنما نعكف عليه ونلازمه، {كَما لَهُمْ آلِهَةٌ} أصنام يعكفون عليها، والمراد أنهم طلبوا منه أن يعين لهم أصناما. وهذا يدل على تأثرهم بالبيئة المصرية وحنينهم لها، وعلى نزعتهم المادية بتجسيد الإله في صورة معدن أو حجر.
فأجابهم موسى تعجبا من قولهم على أثر ما رأوا من الآية العظمى والمعجزة الكبرى، فوصفهم بالجهل المطلق وأكده؛ لأنه لا جهل أعظم مما رأى منهم ولا أشنع، فإنهم جهلوا مقام التوحيد، وما يجب من إفراد الله بالعبادة بلا واسطة من إنسان أو مادة، جهلوا عظمة الله وجلاله وما يجب أن ينزه عنه من الشريك والمثيل.
واتخاذ الواسطة إلى الله بهذه الأصنام كفر؛ فقد أجمع كل الأنبياء عليهم السلام على أن عبادة غير الله تعالى كفر، سواء اعتقد في ذلك الغير كونه إلها للعالم، أو اعتقدوا أن عبادته تقربهم إلى الله تعالى؛ لأن العبادة نهاية التعظيم،